أوريد يناقش تغيرات الساحة الدولية - ترند نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال المفكر والأكاديمي حسن أوريد إن “الناس تتماهى عادة بالفطرة مع السياسة، وتكاد تكون معها في علاقة انصهار”، مُذكرًا في السياق ذاته بأن “العالم الذي نعرفه قد انتهى مع سقوط جدار برلين”، ومع سقوطه “انتهت المنظومة القديمة بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية” على المستويين الإقليمي والعالمي.

جاء ذلك في محاضرة ألقاها في ليلة رمضانية ماطرة أوريد بعنوان “التغيّرات الجيوسياسية وتأثيرها على المغرب”، نظمها “منتدى كفاءات إقليم تاونات” واحتضنتها إحدى قاعات مدينة سلا، الخميس، وسيّرها نجيب الزروالي؛ وزير للتعليم العالي وسفير سابقا.

وأبرز المحاضر في أن “العالم تخلص من الالتزامات والمعاهدات الدولية”، وأصبحنا أمام واقع جديد “لا يعترف إلا بالقوة”، لافتا إلى أنه في الوقت الذي اعتقدت أوروبا أنها “حصّنت نفسها وتعافت من داء الحروب، وجدت نفسها تنغمس مُكرهَة في أتونها”، وأن الحرب تعنيها، عكس ما كانت تعتقد سابقا من أن “الأمر لا يهم سوى جنوب الكرة الارضية”، واعتقدت أوروبا واهمة أن وضع يوغسلافيا “لا يعدو أن يكون نشازا، ليس إلا…!!“

واعتبر أوريد أن “حدود الدول لم تعد مُحصنة كما كانت”، حتى أنه في حرب الخليج الثانية “تم تأديب صدام حسين، لأنه خرج عن المألوف، وتهجّم على الحدود بالقوة”؛ وهو “ما لم نلمسه في الحرب الرّوسية الاوكرانية”.

وزاد موضحا: “في هذه الحرب، ولأول مرة في التاريخ الحديث “تم التلويح والتهديد باستعمال السلاح النووي، ولو بشكل جزئي وإن تكتيكي”، بعدما كان هذا النوع من السلاح مُجرّد سلاح للتهديد بالرّدع في إطار توازن الرُّعب بين القطبين التقليديين.

كما عرَّج المُحاضر على الحدث الأبرز الثاني، متمثلا في حرب غزة الأخيرة أو ما عُرف بطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، وهذه الحالة “اكتست صفة حرب دون مراعاة لضوابط القانون الدولي”.

وأضاف حسن أوريد بأن “هذا الحدث في حدّ ذاته عبّر عن وحشية في استعمال القوة”. وكل ما سلف، يقول المحاضر، أفرز لنا واقعا عالميا جديدا، متجاوزا بذلك “النطاق الجغرافي الشرق أوسطي، مشكلا حديقة خلفية للحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أعطى لروسيا فرصة لإتمام ترتيباتها العسكرية في المنطقة”.

بعد ذلك، انتقل المحاضر إلى الحديث عن الظاهرة الثالثة، متمثلة في رجوع دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، معتبرا ذلك بأنه ظهور “ترامبية جديدة”. هذه الترامبية، يقول أوريد، تتبنى رؤى جديدة، مما يعتبر مدا للشعبوية اليمينية الأكثر تعقيدا في العصر الحالي. وأن الأمر قد تجاوز الاستحواذ على ما تحت الأرض من خيرات، إلى المطالبة بالأرض نفسها. واستحضر المحاضر في هذا الباب أحداثا بذاتها، من قبيل: «وضع اليد على جرينلاند” مرورا بمسألة “الترحيل القسري للفلسطينيين من قطاع غزّة”، وكذلك “التخلي على الحليف الأوكراني، ومعه حتى بعض الحلفاء الأوروبيين”، وهذه السلوكيات تبدو تجاوزا للقانون والاعراف الدولية. ويمكن اعتبار السياق الدولي الحالي بمثابة «تهليل لصالح قومية جديدة”، كما أوضح أوريد في محاضرته.

وتابع أوريد قائلا إن «جدية الموضوع تستدعي استحضار مفاتيح أخرى جديدة لكي نفهم بتأني ما يجري من حولنا، معتبرا في ذات الوقت بأن «الأمر ليس علما، وأنه علينا أن نحافظ على Discipline”، لأن “الجيوسياسية والجيو بوليتيك تختلط عادة عند العامة بالجيو- استراتيجية، علما بأن الأمرين مختلفان تماما”. وتفاديا لأي لبس في المفهوم والمفاهيم، يقول أوريد إن “الجيوستراتيجية هي تأثير الجغرافية في المجال. أما الجيوبوليتيك فهي تأثير السياسة في الجغرافيا، وذلك انطلاقا من تصور يفرزه السياسي”.

وذكر حسن أوريد في المحاضرة ذاتها أن “الجيوستراتيجية تهم العسكريين بالأساس، وظهرت جذور المصطلح في القرن التاسع عشر مع بسمارك والوحدة الألمانية”.

وأضاف المحاضر أن “الإنسان كائن حيّ، ويمكنه تغيير الفضاء وإيجاد مناطق عازلة. ولذلك، ارتأت ألمانيا أنها في حاجة إلى فضاء خارجي، ومن حقها التوسّع على أساس أن أوروبا وآسيا هما قلب العالم وبؤرته ومحور العالم”. فيما رأت الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها، كما جاء على لسان المحاضر، “أن لها مذهبية للحد على هذا المركز المسمى أوراسيا ضد هتلر في مرحلة أولى، وبعده ستالين”.

واسترسل أوريد موضحا بأننا “أمام عالم قديم- جديد مع دخول الصين بصفتها فاعلا جديدا، وهي صاحبة التحدي الوجودي، كما ينظر إليه ترامب”. واستحضر جملة شهيرة تقول: “إذا كانت روسيا عاصفة، فإن الصين هي تغيير مناخي؛ وبالتالي هناك تغييرات حتمية قادمة، ستغيّر من ملامح خريطة العالم مستقبلا”. أما المغرب من جهته، كما يقول أوريد دائما، فقد “ساير بكل حنكة ظروف الحرب الباردة، ومع سقوط برلين أصبح أكثر انفتاحا. وبعد هجمات الحادي عشر من شتنبر، أصبح للمقاربة الأمنية دور كبير”.

وتوقف حسن أوريد في المحاضرة التي ألقاها أمام جمهور نوعي عند قضية المغرب الوجودية الأولى، متمثلة في صحرائه ووحدته الترابية، مُستحضرًا في الوقت ذاته ما أفرزته حرب غزة المدعومة من إيران، وما خلفه سقوط بشار الأسد في سوريا من تداعيات في البلقان والشرق أوسط؛ وهو ما انعكس سلبا على دولة الجزائر، مؤكدا في السياق ذاته أن “خيار الحرب كان واردا، ولكنه لم يكن أبدا في صالح الجزائر”.

واستحضر المحاضر الهزائم التي مُنيت بها الدبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية، ممّا حتم عليها العمل على “إعادة انتشار دبلوماسيتها، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وبالتالي بدأت في الخروج تدريجيا عن عروبيتها، ومغازلة هذه القوة العالمية، وهو ما عبّر عنه السفير بوقادوم باستعداد الجزائر بيع معادنها النفيسة للولايات المتحدة الأمريكية”.

بعد ذلك، انتقل المحاضر إلى طرح إشكالية سياسية تهم الطريقة المثلى للتعامل اليوم مع ثلاثة فاعلين أساسيين في العالم، ويتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين. ورأى أوريد أن الحل قد يكون كما فعلت بعض الدول الآسيوية، ولكنها “وجدت نفسها بين فكّي كمّاشة، وبالتالي كان عليها أن تتعامل مع النقيضين، مثل حالة سنغافورة مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ودول أخرى التي اختارت الملاءمة، وخلقت نوعا من التوازن”.

كما شدّد المحاضر على أن “الخيار الأطلسي الذي أطلقه الملك محمد السادس يبقى هو الخيار الاستراتيجي، ويمكن للمغرب أن يستثمر فيه. وعلينا أن نبقى مستمرين في علاقتنا مع الدول التي تربطنا بها علاقات اقتصادية، وأن نكون حاضرين بقوة في الساحة العربية، وخاصة مع دول الخليج التي أصبحت طرفا مُهمّا في المُعادلة الدولية. كما يجب علينا كمغاربة أن نكون حاضرين بقوة مع الولايات المتحدة الامريكية”. وركّز أوريد في محاضرته على ضرورة “استعمال مفاتيح جديدة لأقفال تغيّرت، حتى نتمكن من فهم العالم الجديد”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق