
لن تتكرر سيطرة ثلاثة أحزاب على الحياة السياسية في المغرب بعد انتخابات 2026، هذا ليس تنجيما ولكنه منطق المستقبل، منطق يقول إن الأصوات ستعرف شتاتا كبيرا بين الأحزاب، ربما بفعل عودة أحزاب اليسار إلى الواجهة دون هيمنة ولا تميّز كبير. قد ينشئ اليسار فرقا محترمة دون الأغلبية. وقد يعود السياسيون المزايدون على الدين إلى الواجهة بعد نجاحهم في محو هزالهم السياسي بفضل شوارع غزة. أما اليسار المتطرف فلن يكون أحسن حالا مما كان عليه، رغم انبعاث الشيوعية وما شابهها في العالم.
بيت القصيد هو الناخب المغربي وكيف ينظر إلى هذه الانتخابات القادمة بعد خيبة الأمل الكبرى في التقاة العفاة المبشَّرين بالجنة من جهة، وفي طبقة من رجال الأعمال الذين لم يوازنوا بين مصالحهم التجارية وإدارة دفة الحكم بتجرد وبدون انحياز لمقاولاتهم الخاصة؟ هل فُقد الأمل في كل الفرق السياسية التي حكمت والتي “عارضت”؟ لماذا لم تنتج لنا الحياة السياسية معارضة قوية خارج مسرح المزايدات؟
نتكلم هنا عن انتخابات نزيهة نظريا، أما ما سيقع فلن يختلف عن السابق، بحكم ترسّخ العادات السيئة عند الناخب والمنتخب معا. النجاح بالمال سيظل كما كان والتصويت بالمقابل لن يختفي بين عشية وضحاها. لأننا نظل نبرئ المجتمع المغربي حتى نصل به إلى درجة الملائكة بينما الحقيقة واضحة من حيث ميل أغلبية المواطنين إلى استغلال الانتخابات ولو بربح ظرفي قليل، يفرز كائنات سياسية مشوهة، بعضها يوجد اليوم في السجن أو في الطريق إليه.
ماذا نصنع اليوم لإنقاذ انتخابات 2026 من خطر المقاطعة أو الامتناع عن التصويت؟ ونحن نعلم أن جزءا من الناخبين محبط “حتى الثمالة” ولا يرى فائدة من المشاركة في عملية متكررة لا تنتج سوى الضحل واليابس والمريض والمنحرف؟
كيف نقنعهم وبأي نوع من المنتخبين نبشرهم بتغيير ممكن في السنة القادمة؟ هل تستطيع الانتفاضة الأخيرة ضد الفساد أن تؤمن لنا منتخبين أسوياء مستقيمين أم أن ذلك يُنظر إليه كما لو كان حملة عابرة لن تقوى على الاستمرار أكثر من سنين قليلة؟ لماذا يستمر الفساد في عز الحرب المعلنة عليه؟ لماذا لم تردع هذه الحرب قامات الفساد العالية العريضة؟ وقد كنا نظن أن الفاسدين من العيار الثقيل الموجودين في السجن سيزرعون الخوف الآن وفي المستقبل في أوصال الفاسدين ومشاريع الفساد؟
نحن نتكلم عن الانتخابات الجماعية أيضا، وقد لاحظنا ـ بشكل مرعب ـ أن كثيرا من رؤساء الجماعات دخلوا السجن أو تم عزلهم، حتى كدنا نخاف انقراض المستشارين الأنقياء في المغرب، خاصة أن بعضهم وصل به الإحساس بفقدان الترضية المادية إلى الانقلاب على حزبه والتصويت على أحزاب أخرى مقابل أي شيء، سيارة، حج، عمرة، غلاف مالي صريح، في مهزلة جماعية تتكرر ويتكرر معها الاختطاف إلى ما بعد التصويت على المكتب الجديد.
المفروض البحث عن حلول جذرية لجعل حياتنا السياسية نقية ذات جدوى، مع العمل على تغيير عقلية الناخب المغربي، لعله يمتنع عن التصويت مقابل “الزرقلاف” أو ما تجاوزها، وأن يحس بضخامة المسؤولية الخطيرة التي يحملها على عاتقه في إخراج نخبة سياسية جديدة تنقل بلادنا من التخلف والفساد والأنانية المفرطة إلى دولة الحق والقانون والمبادئ، كما نحلم بها جميعا. وهو بحث مضن غير مضمون النتائج، فقط، يبقى الأمل وحسن النية.
النشرة الإخبارية
اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا
اشترك
يرجى التحقق من البريد الإلكتروني
لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.
لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.
0 تعليق